كتبه/عصام عوض
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أما بعد....
لقد قامت الدعوة السلفية بعد ثورة يناير بتأسيس حزب النور ، وكان من أعظم مبادئ حزب النور هو إعلاء المرجعية العليا للشريعة الإسلامية أحكاماً و مباديء والحفاظ علي هوية مصر الاسلامية،وعند وضع دستور 2012م أراد البعض العبث بثوابت الأمة وسلخها من هويتها،واستدراجها ليصل بها إلي القاع،لقولهم إن الإبقاء علي المادة الثانية تتعارض مع مدنية الدولة المصرية التى تنص علي أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع».
هنا واجه حزب النور أمراً في غاية الخطورة، كما ذكرنا أن البعض تحدث في الإعلام عن حذف المادة الثانية، أو وضع قرائن تقوم بتعطيلها ،او تجعل مع الشريعة الإسلامية مصادر أخرى للتشريع بحذف ال من كلمة "المصدر الرئيسى للتشريع" لتصبح"مصدر رئيسى للتشريع "فيكون فيها الحكم لله ولغيره وسيقسم علي ذلك رئيس الدولة ونائبه والوزراء ورئيسهم وضباط الجيش وضباط الشرطة وأعضاء مجلس النواب وأعضاء مجلس الشورى كلهم سيقسمون علي أن الحكم لله ولغيره لأنهم يقسمون علي الدستور، فلم يقبل حزب النور ذلك ونادى بعدم المساس بالمادة الثانية ،
ولم يتوقف حزب النور عند ذلك بل انطلق معلنا أنه يريد تفسير كلمة "مبادئ" التى ستفرغ المادة الثانية من محتواها المراد به وبعد محاولات كثيرة تم وضع المادة 219 حيث تنص علي أن "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة".
وعند تشكيل لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية بعد 30يوليو وقف العلمانيون داخل اللجنة ضد حزب النور لحذف المادة 219 لأنهم عرفوا خطورة هذه المادة وأنها ستقف حجر عثرة أمام علمنة الدولة المصرية ،هنا طلب حزب النور بديلا منهم لهذه المادة لعدم تمسك الحزب بأرقام أو الفاظ بل يتمسك دائما بالمحتوى والفائدة منه، فكان البديل مجموع تفسيرات المحكمة الدستورية العليا الذي تم النص عليه في ديباجة الدستور ،التى هي جزء لا يتجزأ من الدستور طبقا للمادة 227 ،وهو في الحقيقة أفضل وأشمل من المادة 219 كما ذكر ذلك المتخصصون. النص في الديباجة《نكتب دستوراً يؤكد أن مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن المرجع في تفسيرها هو ما
تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن.》
وهذه بعض المقتطفات من أحكام المحكمة الدستورية العليا في تفسير كلمة مبادئ الشريعة الإسلامية ،
*الحكم الأول*
الحكم الخاص بالفوائد الربوية مايو 1985《وحيث أنه يبين من صيغة العبارة الأخيرة من المادة الثانية من الدستور - بعد تعديلها على نحو ما سلف - أن المشرع الدستوري أتى بقيد على السلطة المختصة بالتشريع ، قوامه إلزام هذه السلطة ، وهى بصدد وضع التشريعات ، بالالتجاء إلى مبادئ الشريعة لاستمداد الأحكام المُنظِمة للمجتمع ، وهو ما أشارت إليه اللجنة الخاصة بالإعداد لتعديل الدستور في تقريرها إلى مجلس الشعب ، والذى أقره المجلس بجلسة 19 يوليه سنة 1979 ، وأكدته اللجنة التي أعدت مشروع التعديل ، وقدمته إلى المجلس ، فناقشه ووافق عليه بجلسة 30 إبريل سنة 1980 ، إذ جاء في تقريرها عن مقاصد تعديل الدستور بالنسبة للعبارة الأخيرة من المادة الثانية بأنها 《 تُلزم المشرع بالإلتجاء إلى أحكام الشريعة الاسلامية للبحث عن بُغيته فيها ، مع إلزامه بعدم الإلتجاء إلى غيرها ، فإذا لم يجد في الشريعة الاسلامية حكماً صريحاً فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الاسلامية تُمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة ، والتي لا تُخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة 》.. ويؤيد هذا النظر ما أوردته اللجنة العامة في مجلس الشعب بتقريرها المُقدم بجلسة 15 سبتمبر سنة 1981 ، والذى وافق عليه المجلس ... إلى أن قال :《وهذا يعنى عدم جواز إصدار أي تشريع في المستقبل يُخالف أحكام الشريعة الاسلامية ، كما يعنى ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971 وتعديلها بما يجعلها مُتفقة مع أحكام الشريعة الاسلامية .
الخلاص "المبادئ هنا =الأحكام"
*الحكم الثانى*
الحكم في القضية رقم 6 لسنة 9 قضائية دستورية بتاريخ 18 مارس 1995 . وكذا الحكم في القضية رقم 116 لسنة 18 قضائية دستورية بتاريخ 2 أغسطس 1997 : الحكم بعدم دستورية المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977، 《وذلك فيما تضمنته من سريانها على أقارب المستأجر نسبا حتى الدرجة الثالثة .... وحيث أن المدعين ينعون على النص المطعون فيه في النطاق المتقدم مخالفته لحكم المادة الثانية من الدستور التي تقضى بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ، وذلك من عدة وجوه : أولها : أن الشريعة الإسلامية وإن حثت على صلة الرحم ، إلا أنها لا تعتبر أقارب أحد الزوجين أقرباء للآخر . ومن ثم يكون اعتداد النص المطعون عليه بقرابة المصاهرة مخالفا للدستور . ثانيها : أن إجماع فقهاء الشريعة الإسلامية منعقد على أن عقد الإيجار ينصب على استئجار منفعة لمدة مؤقته يحق للمؤجر بانتهائها أن يطلب إخلاء العين من مستأجرها ، بما مؤداه امتناع تأبيد هذا العقد . ثالثها : أن عقد الإيجار ينقلب بالنص المطعون فيه ، من عقد يقوم على التراضي ، إلى عقد يُحمل فيه المؤجر على تأجير العين بعد انتهاء إجارتها ، إلى شخص لم يكن طرفا في الإجارة ، بل يعد غريباً عنها ، ولا يتصور أن يُقحم عليها . وحيث إن الدعوى الموضوعية كانت قد أقيمت في ظل العمل بأحكام القانون رقم 136 سنة 1981 المشار إليه ، الصادر بعد تعديل الدستور في 22 مايو سنة 1980 .》
الخلاصة : إقرار المحكمة بأن مخالفة الإجماع من أسباب الحكم بعدم دستورية القوانين .
*الحكم الثالث*
الحكم فى الدعوى رقم ٨ لسنة ١٧ قضائية والصادر بتاریخ ١٨ مایو ١٩٩٦ وما تلى ھذا التاریخ من أحكام وجاء فیھا : 《 فلا یجوز لنص تشریعى أن یناقض الأحكام الشرعیة القطعیة فى ثبوتھا ودلالتھا، باعتبار أن ھذه الأحكام وحدھا ھى التى یكون الاجتھاد فیھا ممتنعاً، لأنھا تمثل من الشریعة الإسلامیة مبادؤھا الكلیة، وأصولھا الثابتة التى لاتحتمل تأویلاً أو تبدیلاً . ومن غیر المتصور بالتالى أن یتغیر مفھومھا تبعاً لتغیر الزمان والمكان، إذ ھى عصیة على التعدیل،ولایجوز الخروج علیھا، أوالالتواء بھا عن معناھا . وتنصب ولایة المحكمة الدستوریة العلیا في شأنھا على مراقبة التقید بھا، وتغلیبھا على كل قاعدة قانونیة تعارضھا . ذلك أن المادة الثانیة من الدستور تُقدم على ھذه القواعد أحكام الشریعة الإسلامیة فى أصولھا ومبادئھا الكلیة، إذ ھى إطارھا العام، وركائزھا الأصیلة التى تفرض متطلباتھا دوماً بما یحول دون إقرار أیة قاعدة قانونیة على خلافھا؛ وإلا اعتُبر ذلك تشھیاً وإنكاراً لما عُلِمَ من الدین بالضرورة . ولا كذلك الأحكام الظنیة غیرالمقطوع بثبوتھا أو بدلالتھا أو بھما معا، ذلك أن دائرة الاجتھاد تنحصر فیھا، ولاتمتد لسواھا، وھى بطبیعتھا متطورة تتغیر بتغیر الزمان والمكان، لضمان مرونتھا وحیویتھا، ولمواجھة النوازل على اختلافھا، تنظیماً لشئون العباد بما یكفل مصالحھم المعتبرة شرعاً، ولایعطل بالتالى حركتھم فى الحیاة، على أن یكون الاجتھاد دوماً واقعاً فى إطار الأصول الكلیة للشریعة بما لایجاوزھا؛ ملتزماً ضوابطھا الثابتة، متحریاً مناھج الاستدلال على الأحكام العملیة، والقواعد الضابطة لفروعھا، كافلاً صون المقاصد العامة للشریعة بما تقوم علیه من حفاظ على الدین والنفس والعقل والعِرض والمال 》
وفي التعديلات الدستورية الأخيرة في أبريل 2019م رفض حزب النور بكل وضوح التعديلات الدستورية بسبب إضافة لفظ كلمة «مدنيتها» في نص المادة 200، المطروحة ضمن التعديلات الدستورية ،والتي نصت علي أنَّ: "القوات المسلحة مِلكٌ للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، وصون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد، والدولة وحدها هي التي تُنشئ هذه القوات، ويُحظر على أي فردٍ أو هيئةٍ أو جهةٍ أو جماعةٍ إنشاء تشكيلات أو فِرق أو تنظيمات عسكرية أو شِبه عسكرية".
وذلك الرفض من حزب النور خوفًا مِن محاولة ترويج بعض العلمانيين أن الذى يقصد من المدنية هو العلمانية أى فصل الدين عن الدولة ،وبسبب جهود نواب حزب النور داخل البرلمان قرر رئيس مجلس النواب التصويت داخل المجلس في الجلسة العامة علي "اللاءات الثلاث" التي شملها القرار بالتفسير -لا عسكرية، ولا دينية ثيوقراطية، ولا علمانية-؛
فقام المجلس بالتصويت بما يشبه الإجماع علي هذا التفسير ثم قام المجلس مره اخرى بالتصويت بما يشبه الإجماع علي وضع هذا التفسير في مضابط الجلسه العامة حتى يكون هذا التفسير ملزماً للمجلس النيابي أثناء سنِّ القوانين باللجوء إلى أحكام الشريعة الإسلامية، وعدم الالتجاء إلى غيرها، ولزوم تعديل ما يخالِف أحكام الشريعة الإسلامية، وبطلان أي قانون يُسن على خلاف أحكام الشريعة،
وأخيراً ...
علينا معرفة أن العلمانيين لن ترضيهم هذه التعديلات وسنسمع في المستقبل القريب ان البعض يريد ان يقوم بعمل تعديلات اخرى للدستور فعلى الجميع الوقوف بجانب حزب النور فى "قصة هوية" للحفاظ عليها
فكل ما قام به حزب النور هو الحفاظ علي هوية مصر ،وتمسكه بالثوابت التى لا يمكن التنازل عنها المرونة في المتغيرات والعمل بالقواعد الشرعية التى تضمنتها الشريعة الإسلامية التى نص عليها الدستور ،وكل ذلك في الحقيقة ما يميز حزب النور عن غيره،فهذا جهده وما أمكنه فعله في ظل الظروف التى يمر بها في كل مرحلة ولا يسعه بعد الحفاظ علي الهوية الا أن يدعم مؤسسات الدولة واستقرارها
فقد أثبت حزب النور أنه قادر علي الجمع بين الحفاظ علي مرجعية الشريعة الإسلامية ودعم استقرار الدولة المصرية.
إرسال تعليق