كتب/ احمد السيد جاب الله
من خلال قراءة متأنية لبيان وزارة الخارجية المصرية، يمكن استخلاص العديد من القيم والمبادئ الأساسية التي تحكم السياسة الخارجية المصرية، والتي تعكس رؤية مصر للتعامل مع الأزمات الإقليمية والدولية:
1. رفض التصعيد العسكري والعنف: يدين البيان بوضوح الهجمات العسكرية الإسرائيلية، ويصفها بأنها تصعيد إقليمي سافر بالغ الخطورة، وانتهاك فاضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.. وهذا يؤكد على الموقف المصري الثابت ضد استخدام القوة لحل النزاعات، وتفضيلها للمسارات الدبلوماسية والسلمية.
2. الالتزام بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة: يشير البيان صراحة إلى أن الهجوم يمثل «انتهاكًا فاضحًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة».. هذا يبرز التزام مصر بالمبادئ والقواعد التي تحكم العلاقات الدولية، ورفضها لأي تجاوزات تهدد النظام العالمي القائم على القانون.
3. الحرص على الأمن والسلم الإقليمي والدولي: يصف البيان الهجوم بأنه «تهديد مباشر للأمن والسلم الإقليمي والدولي» هذا يعكس إدراك مصر للترابط بين أمنها القومي والأمن الإقليمي والدولي، وحرصها على استقرار المنطقة والعالم.
4. التحذير من تداعيات التصعيد: تعبر مصر عن «قلق بالغ» و«استنكار» لهذا العمل الذي «سيؤدي إلى مزيد من إشعال فتيل الأزمة ويقود إلى صراع أوسع في الإقليم وينتج عنه تداعيات غير مسبوقة على أمن واستقرار المنطقة، ويعرض مقدرات شعوب المنطقة لخطر بالغ ويهدد بانزلاق المنطقة بأكملها إلى حالة من الفوضى العارمة».. هذا يوضح الرؤية المصرية الإستراتيجية التي تتجاوز الحدث الراهن لتشمل التداعيات المستقبلية، وتحذيرها من مخاطر التصعيد غير المحسوب.
5. تفضيل الحلول السياسية والسلمية: يؤكد البيان بوضوح أنه “لا توجد حلول عسكرية للأزمات التي تواجهها المنطقة وإنما عبر الحلول السياسية والسلمية”. هذا المبدأ هو حجر الزاوية في السياسة الخارجية المصرية، التي تؤمن بأن الحوار والتفاوض هما السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار الدائم.
6. رفض غطرسة القوة وتحقيق العدالة: يشدد البيان على أن “غطرسة القوة لن تحقق الأمن لأي دولة في المنطقة بما في ذلك إسرائيل، وإنما يتحقق ذلك فقط من خلال احترام سيادة الدول ووحدة وسلامة أراضيها وتحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية”. هذا المبدأ يؤكد على أن الأمن الحقيقي لا يمكن أن يتحقق بالقوة العسكرية أو بالهيمنة، بل بالعدالة واحترام حقوق الشعوب وسيادة الدول، وهو ما يتسق مع الموقف المصري التاريخي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال.
نخلص مما سبق إلى أن بيان وزارة الخارجية المصرية يؤكد على أن السياسة الخارجية المصرية ترتكز على مبادئ راسخة من احترام القانون الدولي، ونبذ العنف والتصعيد، وتفضيل الحلول السلمية والدبلوماسية، والحرص على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وتحقيق العدالة الشاملة. هذه المبادئ لا تعكس فقط رؤية مصر لمستقبل المنطقة، بل تؤكد أيضًا على دورها كقوة إقليمية تسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار من خلال الالتزام بالقيم الإنسانية والمبادئ القانونية الدولية.
وهو ما يتسق مع محددات وأولويات السياسة الخارجية المصرية، وعلى رأسها:
* دعم السلام والاستقرار في المحيط الإقليمي والدولي: هذا المبدأ يتسق تمامًا مع ما ورد في البيان من إدانة للتصعيد العسكري والتحذير من تداعياته على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
* الاحترام المتبادل بين الدول: والتمسك بمبادئ القانون الدولي واحترام العهود والمواثيق ودعم دور المنظمات الدولية: يؤكد هذا المبدأ على التزام مصر بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وهو ما تم التأكيد عليه في البيان من خلال وصف الهجوم الإسرائيلي بأنه “انتهاك فاضح للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة”.
* الحرص على الحفاظ على إستراتيجية التوازن الإستراتيجي: التي تربط أهداف مصر ومصالحها الإستراتيجية في إطار استقلالية القرار المصري، بما يعكس سعي مصر لتحقيق مصالحها الوطنية مع الحفاظ على استقلاليتها في اتخاذ القرار، وهو ما يتجلى في موقفها الرافض لـ “غطرسة القوة”.
* الحفاظ على ثوابت الأمن القومي المصري في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة: هذا يشمل حل النزاعات المرتبطة بأمن الحدود، أمن البحر الأحمر، تعزيز العلاقات مع الدول العربية، الانفتاح الإستراتيجي على الشركاء الدوليين، تعزيز التعاون الإفريقي، الدفاع عن الأمن المائي المصري، وتعظيم الاستفادة من الشراكات الإستراتيجية.
* تعزيز دور الدبلوماسية الاقتصادية لدعم البعد التنموي للدولة المصرية.
* التركيز على محورية دور المواطن ورعاية مصالحه في سياسة مصر الخارجية.
* التوظيف الأمثل لقوة مصر الناعمة.
في النهاية، يتضح من مقارنة بيان وزارة الخارجية المصرية بشأن الهجوم الإسرائيلي على إيران مع المبادئ العامة للسياسة الخارجية المصرية أن البيان يمثل تطبيقًا عمليًا لهذه المبادئ. فالإدانة الصريحة للهجوم، والتحذير من التصعيد، والدعوة إلى الحلول السلمية، والتأكيد على احترام القانون الدولي وسيادة الدول، كلها تعكس التزام مصر الراسخ بهذه المبادئ. كما أن رفض “غطرسة القوة” والتأكيد على تحقيق العدالة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية يبرز البعد الأخلاقي والقيمي للسياسة الخارجية المصرية، وسعيها لتحقيق الأمن والاستقرار الشامل في المنطقة بناءً على أسس العدل والمساواة، وليس على القوة العسكرية.
إرسال تعليق