U3F1ZWV6ZTE3OTY5NzczMzAyNTA3X0ZyZWUxMTMzNjg4Njg2MDg1NA==

التنمر... جريمة صامتة تهز الكيان_جريده الهرم المصرى نيوز


بقلم : سهام محمد راضى 


في زوايا الصمت، وفي طرقات المدارس، وأروقة البيوت، وحتى منصات العالم الرقمي، يتسلل التنمر كخنجر مغروس في الوجدان، لا يُرى بسهولة لكنه يترك جرحًا لا يُشفى.


التنمر ليس مجرد كلمة تُقال أو نظرة تُلقى، بل هو سلوك عدواني متكرر، يحمل في طياته الازدراء، والسخرية، والتهكم، والتقليل من شأن الآخرين. هو اعتداء على الكرامة في صورة استهزاء، ونبذ، وتعنيف نفسي أو بدني، ويطال كل فئة عمرية، وإن كان الأطفال والمراهقون أبرز ضحاياه.


وربما يكون أكثر أنواع التنمر خفاءً هو التنمر اللفظي والعاطفي، الذي لا تترك كلماته كدمات ظاهرة، بل تترك شروخًا في الروح. كم من طفل عاد إلى منزله منكسرًا، وكم من فتاة نظرت إلى مرآتها فشعرت بالنقص، وكم من شاب قرر أن ينعزل عن الحياة، لأنه تعرض للسخرية أو التجاهل أو الوصم.


المدهش والمؤلم في آن واحد، أن التنمر لم يعد مقصورًا على الواقع المحيط، بل انتقل إلى العالم الرقمي، حيث أصبح المتنمرون يختبئون خلف الشاشات، يطلقون سهامهم دون رحمة، وغالبًا ما تمر جرائمهم دون حساب.


وهنا يطرح السؤال نفسه: من المسؤول؟ هل هو المتنمر فقط؟ أم نحن أيضًا نتحمل جزءًا من المسؤولية؟ الصمت على التنمر مشاركة غير مباشرة، والضحك على نكتة جارحة هو موافقة ضمنية، والتهاون في تربية أبنائنا على احترام الآخر يجعلنا جزءًا من المشكلة.


التنمر لا يُعالج فقط بالعقاب، بل بالتربية والوعي. لا بد من تعليم الأطفال من الصغر معنى التعاطف، والاحترام، وتقدير الاختلاف. لا بد من وجود قوانين واضحة في المدارس وأماكن العمل تجرّم هذا السلوك وتحمي الضحايا. ولا بد أن ندرك كمجتمع أن الكلمة قد تقتل، وأن الصمت جريمة.


في نهاية الأمر، يبقى التنمر انعكاسًا لخلل داخلي في نفس المتنمر، ومحاولة يائسة لإثبات الذات على حساب الآخر. فلنُربِّ أبناءنا على الثقة بالنفس لا التكبر، على الحنان لا القسوة، وعلى أن احترام الآخر لا ينتقص شيئًا من كرامتهم، بل يرفعهم إلى مصاف الإنسانية الحقة.

 


***********************


***********************

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة